منتديات اولاد دراج التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات اولاد دراج التعليمية

منتديات اولاد دراج,منتدى تعليمي ترفيهي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

  حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ]

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Sweet_girl
مشرفة
مشرفة
Sweet_girl


الولاية : media
انثى تاريخ الميلاد : 16/11/1993
العمر : 30
العمل : étudiente
التميّز : 11
نقاط : 247
تاريخ التسجيل : 19/06/2012

 حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] Empty
مُساهمةموضوع: حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ]    حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] I_icon_minitimeالخميس يونيو 21, 2012 11:00 am

حديقة النبي :


[ 1 ]
عاد المُصطفى ، المختار ، المحبوب الذي عاش ضحى مؤتلقا حتى أتاه يومه ، إلى جزيرة مولده في شهر تشرين ، شهر التذكار.

وما ان اقتربت سفينته من المرفإ حتى انتصب واقفا على مقدّمها ، ووقف حوله بحّارته ، وقد أفعمت قلبه الفرحة بلقاء الوطن .

وراح
يتكلّم ، والبحر يهدر في صوته ويقول : (( ها هي ذي جزيرة مولدنا ، لقد
لفظتنا الأرض هنا ، أغنية ولغزا : أغنية تتسامى إلى السماء ، ولغزا تحاربه
الأرض . وأي شيء هناك بين الأرض والسماء يُقلّ الأغنية ويحلّ اللغز سوى
هوانا ؟


((
لقد لفظنا البحر مرّة أخرى إلى هذه الشطآن ، وما نحن سوى موجة أخرى من
موجاته . دفع بنا لنردّد كلامه ، ولكن كيف لنا أن نَقُوم بذلك ، ما لم
نحطّم تناغم قُلوبنا على الصخر والرمل ؟


((
تلك هي شريعة البحر والبحّارة ، فإذا أنت أردت الحرية كان عليك أن تحوّل
حاجات الحياة إلى ضباب . إن ما لا شكل له ينشد أبدا أن يكون ذا شكل ، حتى
السديم الذي لا يُعد ، يودّ أن يتحوّل إلى شموس وأقمار ، ونحن الذين طلبنا
الكثير وعدنا الآن إلى الجزيرة قوالب صلبة ، علينا أن نصبح ضبابا مرة أخرى ،
ونأخذ في التعلّم من البدء . وأي شيء هناك ينمو ويشهق في الأعالي إلا وهو
يتحطّم عند الهوى والحريّة.


((
سنظل بعد اليوم ، والى الأبد ، ننشد الشطآن التي نملك فيها أن نتغنى ،
ونجد عليها من يستمع إلينا . ولكن مالقول في الموجة التي تتحطّم ولا من أذن
تسمع تحطّمها ؟ إن ما يحتضن أسانا الأعمق ويغذّيه عو تلك الأنغام التي لا
يسمعها أحد ، وهذه الأنغام أيضا هي التي تحفر في قرارة أرواحنا لتصوغ
مصائرنا وتقولبها )).


وعند
ذاك تقدّم أحد بحّارته وقال : (( لَقد قُدْتَ أيها المُعلم حنيننا إلى
هذا المرفإ ، وها نحن وصلنا ، ومع ذلك تتحدّث عن الأسى والقلوب التي
ينتظرها التحطّم )).


أجابه
قائلا : (( ألم أتحدّث عن الحرية ، وعن الضباب الذي هو حريتنا الكبرى ؟
ومع ذلك ، فإني بألم حجبتُ إلى جزيرة مولدي حتى كما لو كنت طيف ذبيح جاء
يركع أمام أولئك الذين ذبحوه )).


وتكلّم
بحار آخر وقال : (( ها هي الجماهير على الشاطئ . لقد تنبّأت في صمتها ،
حتى عن يوم قدومك وساعته واجتمعت من حقولها وكرومها ، لانتظارك ، تعبيرا عن
حبّها واشتياقها )).


وألقى المصطفى من بعيد ، بنظرة على الماهير ، فعاودت قلبه ذكريات حنينها إليه ، وصمت .

وارتفعت لحظتئذ صرخة من أعماق الشعب ، وكانت صرخة ادّكارٍ واستعطاف .

ونظر
إلى بحارته وقال : (( وما الذي أتيت به إليهم ؟ صيّادا كنت أنا في أرض
نائية . وقد أفرغت بعزم وتصميم جعبتي من السهام الذهبية التي قدّموها إليّ ،
غير أني لم آتهم بألهيّة ما ، ولم أتْبَع السهام ، ربما كانوا الآن قد
انتشروا تحت الشمس مع ريش النسور الجريحة التي لا تهوى على الأرض . ولربما
هوت رؤوس السهام بين أيدي أولئك الذين هم في حاجة إليها ، لينالوا بها خبزا
وخمرا .


(( أنا لا أعرف ما حلّ بها وهي تطير ، ولا أين طارت ، غير أني أعرف أنها مالت وهي في السماء )).

((
حتّى ولو كان الأمر كذلك ، لا يزال الحب ملء يدي ، وأنتم يا بحّارتي لا
تزالون توجّهون شراع رؤيتي في البحر ، ولن أكون أبكم ، سوف يرتفع صراخي
حين تضغط يد الفصول على عنقي ، وسأغني كلماتي حين تلتهب شفتاي )).


وسرى
الإضطراب إلى قلوبهم ، وهو يقول لهم هذه الأشياء ، وتكلم أحدهم قائلا : ((
علمنا أيها المعلم كل شيء ا ربما أدركنا ما تقول لأن دمك يجري في عروقنا ،
وأنفسنا من عبق طيبك )).


عند
ذلك أجابهم والريح تهبّ في صوته ، وقال : (( أتركم جئتم إلى جزيرة مولدي
لأكون معلما ؟ أنا ما زلت حتى الآن خارج قفص الحكمة وإني لصغير السن ، طريّ
العود إلى درجة لا تتيح لي أن أتكلم عن أيّ شيء ، إلا عن نفسي التي ستظلّ
إلى الأبد ، النداء العميق للعميق .


((
دعوا ذلك الذي يبتغي الحكمة ، ينشدها في زهرة الأقحوان الأصفر ، أو في
حفنة من الطين الأحمر . فأنا ما زلت حتى الآن المغني ، وسأغني جمال الأرض ،
وحلمكم الضائع الذي يتنزه النهار كله بين رقدة اليقظة ورقدة الكرى ، غير
أني لن آلو تحديقا إلى البحر )).


ودخلت
السفينة المرفأ ، وبلغت الشط ، وهكذا وصل إلى جزيرة مولده ، ووقف مرة أخرى
بين أهله ، وارتفعت صرخة عالية من أعماق قلوبهم ، اهتزّت لها صحراء حنينه
في قرارة سريرته.


وخيّم
عليهم الصمت وهم يتوقعون سماع كلماته ولكنه لم يستجب لهم ، لأن كآبة
الذكرى أفعمت نفسه ، وقال في سرّه : (( ألم أقل إنني سأغنّي ؟ ها أنا لا
أملك إلا أن أفتح شفتيَّ ، ولصوت الحياة أن يغدو ويروح مع الريح لينعم
بالفرح ويعين عليه )).


وعند
ذاك ، تقدمت كريمة ، تلك الصبية التي كانت تلعب معه في حديقة أمه ، وقالت :
(( أخفيت عنا وجهك اثني عشر عاما ، ومنذ اثني عشر عاما ونحن نتلهف لسماع
صوتك )).


ونظر إليها برقّة متناهية ، لأنها هي التي أطبقت جفون والدته حين أقلتها أجنحة الموت البيضاء إلى السماء .

ثم
أجاب قائلا : (( اثنا عشر عاما ؟ قلت : منذ اثني عشر عاما يا كريمة ؟ أنا
لا أقيس حنيني بمقياس المجرّة ، ولا أرجّع عمق الصدى منها ، وذلك لأن الحب
عندما يكون حبّ حنين يستنفذ مقاييس الزمن ، وترجيعاته .


(( هناك لحظات تحمل دهورا من فراق ، والنوى مع ذلك ليس إلا ضنى الروح ، وربما نحن لم نبتعد قطّ عن بعضنا )).

ونظر
المصطفى إلى الناس ، وأبصر جمعهم كله ، شيبا وشبانا ، هزالى ومعافين ،
أولئك الذين لفحتهم الشمس والريح ، والذين تبدو عليهم نضرة النعيم ، ورأى
على وجوههم شعاعا من الشوق والسؤال.


وتكلم
أحدهم فقال : (( لقد خيّبت الحياة ، أيها المعلم ، آمالنا ورغائبنا ، خيبة
مريرة ، وإن قلوبنا لواجفة ، فلا ندرك بعد شيئا . أرجوك أن ترفّه عنا ،
وتكشف لنا معاني أحزاننا )).


واختلج
قلبه بالرأفة وقال : (( الحياة أقدم من جميع الكائنات الحية ، حتى الجمال
تجنّح قبل أن يولد الجميل على الأرض ، والحقيقة منذُ كانت حقيقة ، عُرِفت
ووُجد من تفوّه بها .


(( الحياة تتغنّى في صمتنا ، وتحلم في كرانا ، وحتى عندما نُغلب على أمرنا ونهوي ، تظلّ الحياة سامية معتلية عرشها .

وعندما نبكي ، تبسم الحياة للنهار ، وتكون حرة حتى عندما نجرّ سلاسل عبوديتنا .

((
كثيرا ما نطلق على الحياة أفظع النعوت والأسماء ، عندما نكون نحن أنفسنا
في ظلمة ومرارة ، وكثيرا ما نحسبها جوفاء لا جدوى فيها ، عندما تتيه
أرواحنا ضالّة في القفار الجرداء ، وتكون قلوبنا سكرى بخمرة الحرص والجشع .


((
الحياة عميقة وسامية ونائية غامضة . وإنها مع ذلك لقريبة . وإن كان نظركم
الواسع لا يستطيع أن يبلغ إلا أقدامها ، وإن ظلّ ظلّكم يعترض طلعتها . وإن
كان نفسُ نفسكم لا يبلغ إلا قلبها ، وكان صدى أدقّ همسة منكم يتحوّل إلى
ربيع وخريفٍ في صدرها.


((
والحياة مقنّعة ومخبّأة ، تماما كما هي روحكم الكبرى مقنّعة وخافية .
عندما تتكلم الحياة ، تتحول مع ذلك الرياح جميعها إلى كلمات ، وحين تتكلم
ثانية ، تتحول البسمات على شفاههم ، والدموع في عيونهم ، إلى كلمات أيضا ،
وعندما تتغنى يسمعها الصم وترتفع بهم إلى سمائها ، وحين تقبل ماشية يهلّل
لها ذوو الأبصار المكفوفة ، وتأخذهم الدهشة ، ويتبعون خطاها في رعدة وذهول
)).


وانقطع الكلام ، وغمر الناس صمت شامل ، وارتفع في فضاء ذلك الصمت نشيد لا يُسمع ، وسرّي عن الحضور ، ما كانوا فيه من همّ وضيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اولاد دراج التعليمية  :: أدب وشعر :: الروايات والقصص-
انتقل الى: